دواءٌ مفقود وأمهات يمتن بصمت.. قرغيزستان في مواجهة انهيار النظام الصحي

دواءٌ مفقود وأمهات يمتن بصمت.. قرغيزستان في مواجهة انهيار النظام الصحي
مستشفى في قرغيزستان

في قلب آسيا الوسطى، حيث الجبال الشاهقة تحيط بعاصمة قرغيزستان، تتردد أصوات خافتة لنساء يناضلن من أجل الحياة في صراعٍ لا يخوضنه ضد السرطان فقط، بل ضد نظام صحي منهك، وأسواق أدوية خالية، ووعود حكومية لم تكتمل. 

وفي بشكيك، حيث أسست ناجيات من السرطان مركزًا لدعم النساء، لا تزال أرفف الصيدليات خالية من العلاجات الحيوية، فيما تواصل بعض الأمهات الموت، فقط لأن العلاج لم يصل في الوقت المناسب، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الأربعاء.

ألماغول إبراييفا، خمسينية من العاصمة بشكيك، تتلقى علاجًا هرمونيًا بعد استئصال الثديين والأعضاء التناسلية جراء إصابتها بسرطان الثدي. 

لكنها، كما تقول بأسى، لا تجد الدواء في بلادها، مضيفة: "أطلبه من تركيا أو من ابنتي في موسكو.. هنا الأدوية نادرة، والمرضى يُتركون ليدبّروا أمرهم بأنفسهم".

وراء كلماتها، قصص مئات النساء اللاتي فارقن الحياة لا لأن السرطان لم يُعالَج، بل لأن العلاج ذاته لم يكن موجودًا.

تحت رحمة السوق السوداء

الأزمة لا تخص قرغيزستان وحدها، ففي جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق الخمس، يعيش نحو 80 مليون شخص تحت رحمة سوق دوائية تعتمد كليًا على الاستيراد. 

انهيار الصناعات المحلية، وفساد سلاسل التوريد، وعدم خضوع الأدوية لمعايير موحدة، جعلت من شراء دواء بسيط مغامرة، ومن علاج السرطان معركة قد تنتهي في السوق السوداء أو بالديون أو بالموت.

وفي كازاخستان، تم بيع 67 ألف دواء منتهي الصلاحية هذا العام.. وفي أوزبكستان توفي 69 طفلًا بعد تناول شراب سعال مغشوش مستورد من الهند. 

أما في قرغيزستان فتوقف التطعيم ضد التهاب الكبد الوبائي "ب" لفصل كامل، وتهدد معايير التسجيل الجديدة باختفاء نحو 6000 دواء من الأسواق بحلول عام 2026.

نبيع بيوتنا لنعيش

تقول شايربو ساغوينباييفا، التي تغلبت على سرطان عنق الرحم، إن بعض العائلات تضطر لبيع منازلها وماشيتها من أجل الاستمرار في العلاج.

من رحم هذه المعاناة، ولدت مبادرة "معًا من أجل الحياة"، وهو مركز أنشأته شايربو بنفسها في بشكيك، لاستقبال النساء خلال فترة علاجهن، ومساعدتهن نفسيًا وماديًا.

"هنا، يجدن السكن والدعم.. ويصنعن الزخارف الوطنية القرغيزية لتمويل علاجات بعضهن"، تقول شايربو بفخر، مشيرة إلى أن المركز ساعد 37 مريضة منذ عام 2019.

لكن التمويل الذاتي لا يكفي، وبركات ساغوينديكوفا، وهي أم أربعينية، تؤكد أن الدولة لم توفّر لها أدوية مجانية سوى ثلاث مرات خلال سبع سنوات من العلاج.

"في البداية، اشتريت أدوية هندية على نفقتي، لم يكن لدي خيار آخر"، تضيف.

إنقاذ الأم أفضل

في شهادة تقطع نياط القلب، تروي شايربو عن وفاة أم لثلاثة أطفال مؤخرًا، لمجرد أن دواءها الحيوي لم يصل لثلاثة أشهر.

"إنقاذ الأم أفضل من بناء دور للأيتام"، تقول شايربو، في عبارة تختصر كل مأساة القطاع الصحي في البلاد.

الطبيب أولانبيك تورغونباييف من المركز الوطني للأورام، يقر بوجود أزمة حقيقية: "هناك تحسن في وفرة الأدوية، لكننا بحاجة إلى الكشف المبكر والحد من الفساد، وإلا فالتكلفة الإنسانية ستظل باهظة".

انتظار لا ينتهي

الرئيس سادير جاباروف، أعلن عن إقالة وزير الصحة ووعد بإصلاح القطاع، وتأسست شركة "قرغيزفارماسي" لتجميع الطلبات وتنفيذ الشراء الموحد للأدوية.

لكن، وكما يقول مديرها تالانت سولتانوف، ما زالت الشركة في مواجهة بيروقراطية خانقة وضغوط سياسية بسبب نقص النتائج.

ورغم الحديث عن بناء مصانع جديدة لتقليل الاعتماد على الخارج، لا يزال الواقع قاتمًا، والنساء في مركز "معًا من أجل الحياة" ينتظرن كل يوم وصول الدواء المنشود.

معركة من أجل الحياة

في بلد لا تزال فيه الأدوية حلما مؤجلاً، يتحول كل يوم إلى معركة جديدة من أجل الحياة. النساء في بشكيك لا يبحثن عن امتيازات، فقط عن حق بسيط في العلاج، في الاستمرار، في تربية أطفالهنّ.

وفي هذا الجزء من العالم، لا تحتاج المأساة إلى حرب كي تتجلّى، يكفي أن تغيب علبة دواء واحدة، حتى ينهار كل شيء.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية